في 14 ايلول 1909، وُلد صليبا الدويهي، في إهدن، لذلك سمّاه والده انطانيوس وامه ياسمين فرنجيّة: صليبا، في السابعة من عمره دخل مدرسة «الأخوة المريميين» في زغرتا، وكان ينسخ الصور عن كتبه الدراسيّة، كدليل مبكر على موهبته … تطورّت ريشته بسرعة لافتة، وحمّله البطريرك الحويك رسالة توصية به إلى الفنان حبيب سرور الذي اختبره، فأعجب به، وبدأ تدريسه أصول الرسم (1928)، وبعد أربع سنوات على يد سرور، حصل على منحة رسمية للدراسة في فرنسا سنة 1932، وبعد انتهاء «مرحلته الفرنسية» سافر الدويهي الى ايطاليا ….
مرحلة الديمان:
أثناء هذه الفترة استدعي صليبا من قبل بطريرك الموارنة أنذاك، مار انطونيوس عريضة (1932-1955) لتصوير سقف كنيسة الديمان التي كانت تُشيّد آنذاك، فنفذّها خلال أربع سنوات، وكان عمله مزيجاً من الانطباعية والكلاسيكية .
في تلك المرحلة كان الدويهي مشبعاً بأعمال كبار الفنانين الكلاسيكيين مثل مايكل أنج ودافنتشي، لذلك جاءت جميع رسوماته وفق الأصول الكلاسيكية المعروفة مع فارق تجديدي وحيد، إذ استعمل نماذج من الوجوه القرويّة اللبنانية، ومن الناس العاديين والبسطاء عوضاً عن النماذج الكلاسيكية الإيطالية. ومن هنا أتت ميزة رسومات الكنيسة، فأشخاصها لبنانيون شرقيون (مثل لوحة الرعاة، والعذراء في لوحة البشارة، ولوحة رجم شهيد بسرى، والخلفية في لوحة العماد، ولوحة القديسة مارينا).
مرحلة بيروت:
بعدما أنجز لوحات كنيسة الديمان، نزل الى بيروت حيث فتح محترفاً في شارع محمد الحوت في بناية نجيب موصلي، لم يختلف الدويهي في مرحلته الإنطباعية كثيراً عن رفاقه في الانتقال التدريجي من أجواء الكلاسيكية المستحدثة الى اللمسة الإنطباعية، بسبب تشابه المواضيع التي تشغل حيّزاً كبيراً، بينها المناظر الجبليّة والوجوه الريفيّة، إلا انه بعمله نحو التبسيط باللمسات اللونيّة، والإقتصاد في الخطوط الرئيسية التي تصف الموضوع وتحدّد إشاراته الواقعيّة.
وفي سنة 1945، أقام معرضاً فردياً في فندق السان جورج Hôtel St. Georges حيث اعتبر في ما بعد أهم معرض له في لبنان، وكان موضوعه القرية والوديان، وبيعت لوحاته جميعها، وقد افتتح المعرض آنذاك رئيس الجمهورية الشيخ بشاره الخوري الذي كان أول رئيس جمهورية لبناني يفتتح معرضاً فنيّاً. تميّز المعرض برسومات الفلكلور اللبناني التي تشبّع بها الدويهي بعد أن زار معظم المناطق اللبنانية وجسدّها في لوحات فنيّة، إلاّ ان استقراره لمدّة أربع سنوات في بيروت جعله يعايش النقاشات الدائرة حول الاتجاهات الفنيّة الحديثة التي كانت تثيرها جريدة الأوريان لوجورL’Orient Le Jour عبر كتابات الشاعر جورج شحاده والفنان الفرنسي جورج سير والناقد صلاح ستيتيّة. يقول الدويهي أن الشاعر جورج شحاده حرّضه على الاطلاع على جماليّة الفنون الجميلة بعد العبارة التي كتبها على دفتر الزيارات الخاصة بمعرضه، والتي قال فيها: «لقد تعدّانا العالم كثيراً ونحن لم نزل نكتفي بسرد الحكايات والتفاصيل». وفي 15 نيسان 1947، شارك ايضاً في معرض الفنانين اللبنانيين في المتحف الوطني.
وشارك في هذ ا المعرض الفنّانون داوود قرم وحبيب سرور وجبران خليل جبران وخليل صليبي ورئيف شدوري ومكاروف فاضل ويوسف الحويك وعمر الأنسي وقيصر الجميل وصليبا الدويهي ومصطفى فروخ.
لم يستطع الفنان العمل في بيروت كون شهرته باتت واسعة، وزواره كثر، وفي الوقت الذي كان يدرّس في مدرسة الحكمة، أحسّ بأن وقته لم يعد ملكاً له، ولم يعد قادراً على الخلق، فكان لا بد له أن يخرج من هذه الدائرة الى دائرة أوسع، فقرّر مغادرة لبنان.
إتّسمت الفترة ما بين 1936-1950 بأسلوب الانطباعية اللبنانية لأن الدويهي كان بطبيعته إنطباعياً، أحب الطبيعة والحياة القروية وخاصة الفلوكلور فيها، فاستمد من تراثه اللبناني نماذج عدّة من الشخصيات القروية الذين جالسهم وعايشهم في مختلف القرى الجبلية، فنتجت عن ذلك لوحات انطباعية تمثّل حياتهم اليوميّة البسيطة إضافة الى لوحات الطبيعة اللبنانية التي طبعها الدويهي بمشهد الغروب. كما تفرّد الدويهي عن غيره من الفنانين اللبنانيين بطريقة معالجته للفلكلور اللبناني، وهو يقول في هذا المجال «إنني أعتبر رائد الفلكلور اللبناني، فأنا أول من جمعه ثم أتى الرحابنة من بعدي وغنته فيروز…» وقد صاغ كل ذلك بصيغة كلاسيكية وأكاديمية فيها بصمات من مرحلة تعليمه الأولى عند استاذه الفنان حبيب سرور من الناحية الكلاسيكية، وفيها ايضاً بصمات من رحلة دراسته الأكاديمية في المعهد العالي للفنون الجميلة في باريس. هذا في مرحلة انطباعيته الأولى ما بين 1932 و 1939، حيث كانت المرحلة مزيجاً من الكلاسيكية والانطباعية ونرى ذلك واضحاً في كنيسة السيدة في الديمان، أما بعد سنة 1939 فقد بدأ الدويهي يتحرّر من الكلاسيكية .
مرحلة الهجرة الأولى الى أميركا:
منحت وزارة التربية صليبا منحة للسفر الى الولايات المتحدة الأميركي في 3 آذار 1950. بعد أن حطّ به الرحال في نيويورك، طوّر الدويهي فنّه هناك، وما لبث أن تكيّف شيئاً فشيئاً بالأساليب الحديثة فازدادت لوحاته غنّىً. ففي هذه المرحلة أصبحت لوحاته تعبّر عن نفسيتّه المتأرجحة بين الواقعية والصوفية، وكانت بدايته في عالم التجديد اللامتناهي… إذ ان الدويهي عندما ذهب الى الولايات المتحدة الأميركية لأول مرة عام 1950، ذاق الأمرّين ووجد نفسه في بادىء الأمر غريباً عن دنيا أهلها وحضارتهم، هو في وادٍ وهم في وادٍ آخر.
ذهب الدويهي الى هنالك مع انطباعياته في بادىء الأمر، حيث عرض عام 1952 في متحف فيلادلفيا، وكانت خيبة أمله حين كتب أحد النقاد عنه في ذلك المعرض: «إن فن الدويهي ينتمي الى فن أواخر القرن التاسع عشر… » ذلك في الوقت الذي كانت الحركة الفنية المعاصرة هناك، في أوج التجريد ومدارسها المتعددة لذلك، وبعد صدمته قرّر أن يرسم القليل وأن يبحث الكثير، لذلك بدأ دراسة الجماليات في أكاديمية فيلادلفيا للفنون الجميلة حيث حصل على اجازة منها. هناك تيّسر له قراءة الفيلسوف الإيطالي بنديتو كروتشي والألماني مانويل كانط الذي يقول ما معناه: «إن الطريق الى السماء تخلو من الخط والشكل » .
مرحلة كنيسة مار يوحنا- زغرتا:
دُعي صليبا من قبل الشيخ قبلان مكاري الى المكسيك لوضع رسوم كنيسة مار يوحنا في زغرتا، فرضي بالدعوة ولم يرتجل الرسوم ارتجالاً.
يقول : «لقد تمخضت في اعماقي آنذاك رغبة حارة في الوصول الى مثال جديد في الفن الكنسي يتحلى بطابع ماروني صرف» . للبلوغ الى هذه الحالة قام الدويهي بدرس الفنون الشرقية والبيزنطية والمخطوطات السريانيّة، والفن الفارسي…
مرحلة كنيسة مار يوحنا ( المرحلة المخضرمة):
عاد صليبا الى لبنان سنة 1955 واتخذ من مدرسة «عين ورقة» في غوسطا مقراً له، حيث بدأ بالتصاميم لرسوم كنيسة مار يوحنا، يرافقه ابن اخته طنوس الشدياق، وذلك بعد توصية من المونسينيور اسطفان في بروكلين بنيويورك .
هناك بدأ الدويهي التخطيط ومن ثم اللإنجاز لجدرانيات كنيسة مار يوحنا المعمدان زغرتا. عمل صليبا ليلاً نهاراً، حتى ساعات فراغه وكان داخل غرفته في دير عين ورقة يجالس القرويين ويتخذ من كل شخص نموذجاً لأعماله في الكنيسة .
أولاً : رسم صليبا في القبّة فوق المذبح جدرانيّة الرب الأزلي تحيط به الملائكة .
ثانياً : وضع عند المذبح اللوحة الأساسية لشفيع الكنيسة يوحنا المعمدان وهو يعمّد المسيح في نهرالأردن، ومن ثم أحاطها من الجانبين بالرسل الإثني عشر، مع كتابة سريانية لأسمائهم، تفصلها عن جدرانيّة الرب زخارف تزيينية، ومن ثم على الأطراف الأمامية، صورة عذراء غوادلوبي من جهة اليسار، والقديس يوسف يحمل الطفل يسوع جهة اليمين.
ثالثاً : قسم السقف الأمامي الذي يعلو المذبح، وفيه صوّر للإنجيليين الأربعة تتوسطهم صورة القديس بولس الرسول يعظ في أثينا .
وفي حزيران 1956 بدأ صليبا يلصق اللوحات على جدران كنيسة مار يوحنا االمعمدان وعددها واحد وعشرون عملاً فنياً حسب الاتفاق، وبعد تعليقها وجد ان كمية الأعمال قليلة بالنسبة لمساحة الكنيسة الواسعة، حينئذ قرّر الدويهي إضافة ست لوحات على نفقته الخاصة حيث تبرّع بها بنفسه .
وبعد انجازه اللوحات الست، علّق على الجدران خمساً منها فقط وبقيت لوحة مار مارون لغاية تاريخه غير معلقة، ومحفوظة في الكنيسة (…).
ومن هذه اللوحات، صورة البشارة، زيارة العذراء مريم لنسيبتها اليصابات، ولادة السيد المسيح في مغارة بيت لحم، الطفل يسوع يجادل العلماء في الهيكل، ويتوسط هذه اللوحات صورة انتقال العذراء …
وتُعتبر هذه المرحلة مخضرمة لأن الدويهي بدأ يتحرّر من تافصيل الموضوع، فقد غابت عنها التفاصيل الرومنطقية …
الهجرة الثانية الى اميركا:
بعد انجازه رسومات كاتدرائية مار يوحنا المعمدان- زغرتا، غادر لبنان الى الولايات المتحدةالأميركية متحفزاً هذه المرة لفرض نفسه هناك كفنّان تشكيلي في لغة الفن المعاصر، ذلك ان تحفته الخالدة في كنيسة مار يوحنا المعمدان- زغرتا تعتبر الخطوة الأولى، بعد مرحلتي الكلاسيكية والانطباعية في عالم الفن التشكيلي .
وبعد رجوعه الى الولايات المتحدة الأميركية، انكّب صليبا على العمق في الفلسفة والفن، وكان يذهب باستمرار الى الجامعات والمتاحف ويزور المعارض ويحضر المحاضرات الفنيّة الى أن ادخل في اللعبة المعاصرة الأميركية للفن التشكيلي .
وكان أن تعرّف صدفة الى الأستاذ جوزيف سلامه (مدير فرع بنك إنترا في نيورك) عن طريق يوسف الخال وهشام شرابي والفنّان بيار ديب، وعلى أثر هذا التعارف وتشجيعاً له، ذهب سلامه مع الفنان بيار ديب الى محترف الدويهي في عليّة كنيسة بروكلين، حيث اشترى اثنتي عشر لوحة لفرع بنك انترا في نيويورك وكان ذلك في عام 1961 … وأقام معرضاً في غاليري One man show – Contemporaries Gallery. New York على «ماديسون أفنيو» في نيويورك، وكانت المفاجأة حين قدّمت لجنة متحف الفن المعاصر هناك تقريرها عن المعرض، ومما جاء فيه أنّ:
«الدويهي فنّان وصل الى درجة عالية ومتقدمة ليس في التقنية وحسب، بل في الرؤية والفكر وفي تمثيل ما يود قوله على القماش وبواسطة الألوان الزيتية، أستاذ في علم الفن، ألوانه قويّة جداً. شرقيّة في حدّتها وتنبع من صفاء ذهنه وبصيرته وليست مما تراه العين وتألفه »
مرحلة عنّايا: زجاجيات مراحل القديس شربل:
بعد شهرته الواسعة خاصة في اميركا، طلبت منه الرهبنة اللبنانية تزجيج كنيسة مار شربل، عنايا بزجاجيات عن مراحل حياة القديس شربل ،وهو المولع بالرسم على الزجاج، ويقول في هذا المجال:« كنت أشعر بالولع للرسم على الزجاج، أحياناً كثيرة كنت أرغب بوضع نورٍ باهتٍ شفّاف في لوحتي.. لكن كنت أجد ان النور على القماش لا يشعرني بالشفافية وهو الذي حرضني على تجربته على الزجاج نور بحد ذاته، هناك قوة في الزجاج خارقة »
وبعد الاتفاق مع الرهبنة المارونية اللبنانية على مشروع الزجاجيات عاد الى نيويورك وأجرى دراسات وابحاثاً كثيرة ودخل الجامعة ودرس فن التزجيج، وكعادته يريد أن ينفرد بأسلوب مميّز عن غيره وعن الطريقة القديمة المتبعة في فن الزجاج، وبعد تجارب عدّة وصل الى طريقة لم تتبع من قبله في فن التزجيج.
وبعد دراسته على الزجاج في اميركا وتجاربه، أقفل محترفه في نيويورك وراح الى باريس حيث اشترى صناديق من الزجاج كي ترسل الى لبنان، ثم عاد الى عنايا- لبنان.
في لبنان استأجر منزلاً في جبيل حيث كان يقيم فيه مع مساعده، ابن اخته طنوس الشدياق، في هذا المنزل بادر صليبا الى وضع تصاميم مراحل حياة القديس شربل وطال ذلك الى ما بعد تشرين الثاني سنة 1971، ولما انجز تصاميمه انكفأ ينتظر على نار وصول صناديق الزجاج من فرنسا.
وبعد طول انتظار وصلت الصناديق وبدأ صليبا تكسير الزجاج وجمعه على ثلاث طبقات بواسطة مادة لاصقة تسمّى «ايبوكس» وهي شفافة بعد استبعاد الحبر والتصوير عليها، ومادة الرصاص جاعلاً من دير القديس شربل متحفاً خالداً، نفّذ الدويهي فيه ثلاثين متراً من الفراغ ما يوازي عدّة اطنان من الزجاح الملوّن.
والى مراحل القديس شربل، أضاف الدويهي على الزجاجيات الخمسة، إسم القديس اللبناني بالحرف السرياني، ورسوماً للورود بأسلوب زخرفي، وسراج الزيت العجائبي.. وبعدما انجز الشبابيك الخمسة الكبيرة والأخرى الصغيرة، عاد الى نيويورك حيث انجز زجاجيات لكنائس في الولايات المتحدة الأميركية وبسبب زجاجياته وتجريداته المبدعة التي أثارت اعجاب المشاهدين الأميركيين، أدرج اسمه في الموسوعات الفنية كفنان من أصل لبناني مميّز ومبدع بأسلوب شرقي وروحاني… وصارت لوحاته تتصدّر أكثر من 21 متحفاً عالمياً في الولايات المتحدة الأميركية وموسكو وروما وكلكوتا في الهند .. هذه الشهرة العالمية دفعت بصليبا الى إقامة تسعة معارض من سنة 1973 إلى سنة 1981 .
الهجرة الى لندن
بعد شهرته الواسعة والعالميّة في أميركا واقبال المتاحف على شراء لوحاته، قرّر صليبا السفر والاستقرار في أوروبا والدخول الى مجتمعهم الفني وهو تلميذ الأكاديمية للفنون الجميلة – في باريس … فشهرته العالمية في اميركا والواسعة الانتشار هناك لم تكن في أوروبا على ما هي عليه في أميركا… وهذا شيء طبيعي لأن هناك فارق شاسع بين الحضارة الأميركية والحضارة الأوروبية فالدخول الى الساحة الثقافية الأميركية أسهل من الولوج الى الساحة الأوروبية… لكن صليبا الجبلي العنيد، استطاع بفضل عبقريته الفنيّة كسر الطوق والدخول من العالمية الأميركية الى العالمية الأوروبية فكانت محطته الأولى في لندن
.
وقبل سفره الى لندن كان صليبا قد باع للسيد «صلاح حويلة» كل انتاجه، فالسيد حويله اشترى مجموعة كبيرة من محترف الفنان في عليّة كنيسة بروكلين، بينها إضافة الى اللوحات، تخطيطات سريعة لحوالي المئة قطعة ودراسات عدّة عن بعض الجداريات. إثر هذا النجاح التسويقي، نتيجة لبراعته الفنيّة، وإثر الطلب على أعماله، واقتناء أكثر من سبعة عشر متحفاً للوحاته أصبح صليبا يعدُّ من الأغنياء . لكن حياته بقيت عاديّة وبسيطه ولا يهمّه الثراء. وحصر كل همّه وهاجسه في شهرته الفنيّة، لذلك راح يصل الليل بالنهار يرسم ويرسم.
بعد وصوله الى لندن استأجر «فيللا» لسكنه، وقرّرت إدارة «ارجيل غاليري» إقامة معرض استيعادي له عن الخمسين سنة التي قضاها في الفن وذلك من 12/11/1988 إلى 3/12/1988 هذا القرار من إدارة الغاليري جاء ليتيح للمشاهد الأوروبي التعرّف الى سيرة الفنان الدويهي خلال مراحله المتعددة من القديمة الى الحديثة .
في لندن التقى الدويهي الكثير من الفنانين الأوروبيين والعرب ومنهم اللبنانيين طبعاً، إضافة الىالأدباء والكتّاب والشعراء وغيرهم .
يقول الدكتور أنطوان الدويهي عنه في هذه المرحلة :
«تعرفت الى صليبا الدويهي في الهجرة الباريسية في الثمانينات، وتعرفت اليه مؤخراً وكان قد دخل السبعين لكن حكايته كانت معلومة لديّ منذ الطفولة مثلها مثل حكاية جبران خليل جبران وهما ابن المشهد نفسه، ولا أظن انه لو تعرفت اليه قبل ربع قرن أو أكثر، كان تغيّر عليّ شيء فيه فهذا المقيم في ذاته لا يتغيّر. وأنا بالطبع لا أقصد بذلك رسمه بل شخصه، مع ان رسمه ينطوي، هو ايضاً وراء تعدّد المراحل، على وحدة جوهرية عميقة… ولا بدّ أن تكون علاقة صليبا بالزمن علاقة دائرية تتداخل فيها نقاط البداية بنقاط الوسط والنهاية بحيث لا يهمّ صاحبها التمييز الدقيق بينها…»
أثناء أسفاره بين لندن وروما وباريس تعرّف الفنان الى احدى نسيباته الزغرتاويات (ايمه الشدراوي) فاقترن بها سنة 1983 .
خلال اقامته في لندن قرّر صليبا ان يقسّم وقته ما بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ستة أشهر في لندن وستة أشهر أخرى في محترفه بنيويورك. وأتاحت إقامته الأوروبية ان يعرض أعماله في لندن وباريس وروما .
الهجرة الأخيرة الى أميركا:
بعد لندن عاد صليبا الى الولايات المتحدة الأميركية في أواخر عام 1988 مع عائلته، زوجته ايميه وطفلتهما ياسمين .
وفي اميركا سنة 1989 دبّ فيه الحنين الى وطنه الأم لبنان وقرّر حسب رسائله مع اصدقائه المجيء الى لبنان لكن قراره هذا (كان يتغيّر من يوم الى آخر) خطوة الى الأمام وخطوة الى الوراء .
الهجرة الى باريس:
في عام 1989 قرّر الفنان الدويهي الإقامة في باريس باعتبارها قريبة جداً من لبنان، وخاصة انها كانت تعجّ باللبنانيين من جميع القرى وخاصة الزغرتاويين منهم .
والمدى» وهذا ما يذكّره بإهدن … ولكنها في الواقع لا تمتّ بصلة الى ألوان إهدن، غير ان الدويهي اقنع نفسه بذلك وشبّهها بإهدن، الى انه قال لأحد زوّاره من آل الدويهي «لنعتبرها إهدن يا شيخ» بعد ان تعجّب هذا الزائر من التشبيه .
بعد ان استقرّ الدويهي في باريس وزّع نشاطه بينها وبين لندن ونيويورك، فأقام سنة 1989 معارض مشتركة مع غيره من الفنانين في غاليري «باربيكيان » في لندن، وفي معهد العالم العربي – باريس Institut du Monde Arabe وفي أكثر من عشرين غاليرياً في الولايات المتحدة الأميركية …
بعد ان ترسّخت شهرته العالمية في الولايات المتحدة الأميركية بدأ المجتمع الأوروبي يتعرّف الى الفنان الدويهي، بدءاً من محطته في لندن وانتهاءً في فرنسا حين قرّر معهد العالم العربي في باريس إقامة معرض استيعادي للدويهي في 11/1/1993 والذي ضمّ زهاء ثلاثين لوحة تختصر أعماله الفنية من 1938 الى 1992، مع التركيز على اعماله التجريدية التي بضخامة حجمها ملأت صالة المعرض واعتبرت من ذروة أعماله الفنية كتجربة وكجمالية وكنسيج خاص بالدويهي.
وفاة الفنان الدويهي:
توفي في نيويرك يوم الجمعة الواقع في 21/1/1994 فنقل جثمانه الى مطار بيروت في 28/1/1994.
إعداد جورج الزعتيني وندى طرابلسي .