عقدت ندوة صحافية في “المركز الكاثوليكي للاعلام”، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، عن “الفرنسيسكان والموارنة”. وعنوان الندوة هو نفسه عنوان الكتاب الجديد الصادر حديثا للأب حليم نخول نجيم الماروني الفرنسيسكاني، الجزء الثاني، 800 عام على الوجود الفرنسيسكاني في الشرق.
وشارك في الندوة إلى جانب الأب نجيم مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده أبو كسم، عصام خليفة، وشارل رزق الله، وفي حضور بيار مكرزل، وآباء واكليريكيين من “رهبة الإخوة الأصاغر، رئيس دير تراسانتا – بيروت الأب توفيق بو مرعي، رئيس دير مار انطوانيوس البادواني” – حريصا الأب طوني شكري، وعدد من الإعلاميين والمهتمين.
أبو كسم
بداية رحب أبو كسم بالحضور باسم المطران بولس مطر، مشيرا إلى ما “كتبه الابونا حليم على مدى 10 سنوات من عصارة فكره وبحثه لإنتاج هذا الكتاب والذي حمل عنوان “الفرنسيسكان والموارنة”.
وتابع “رسالة الفرنسيسكان معروفه كانت في هذا الشرق منذ زمن بعيد، هم حراس القبر المقدس وحراس الأراضي المقدسة، رسالتهم كانت رسالة سلام منذ مجيئهم إلى هذا الشرق، لا بل رسالة حوار، لا بل خلق جسر تواصل بين الطوائف المسيحية المتواجدة في هذا الشرق منهم الموارنة حتى مع المسلمين كان لهم دور فعال في المحافظة على الحوار المتبادل في زمن الحملات الصليبية الصعبة، فالمسيحية هي رسالة سلام ومحبة”.
وأضاف “نحن في أمس الحاجة اليوم إلى هذا الفكر الفرنسيسكاني الذي هو فكر تواصل وحوار فكر الثبات والحفاظ على الأصول وعلى التاريخ”. وتابع: “الأسبوع الماضي كنا في مصر حيث نظم الأزهر مؤتمرا تحت عنوان “مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس”، شارك فيه البطريرك مار بشاره بطرس الراعي ووفد مسيحي من لبنان رفيع المستوى، ووفد اسلامي أيضا. واتفقنا جميعا على أن قضية القدس هي قضية محقة، ويجب أن تبقى مكانا للاديان التوحيدية، وتكون هذه المدينة التي تحفظ تراث الأديان”.
وختم أبو كسم: “نحن هنا مع الآباء الفرنسيسكان ولهم أهميتهم في الأراضي المقدسة، نحملهم هذه الرسالة ونطلب منهم المساعدة لبقاء القدس عاصمة الأديان وملتقى الحوار”.
رزق الله
ومن ثم مداخلة لرزق الله عن المؤلف قال فيها: “على خطى القديس فرنسيس الأسيزي، الذي قصد عام 1217، السلطان الكامل الأيوبي حاكم مصر، ليبشره بالسلام والخير، زرع رهبانه المحبة والأخوة والعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين وسائر الديانات.ط.
تابع “والأب حليم نجيم، الماروني الفرنسيسكاني، أبن بلدة رشعين في قضاء زغرتا، واحد من رهبان هذا القديس الكبير، الذي بادل وعود العالم بوعد حق، مكرسا ذاته حارثا في كرم الرب، ليثمر العطاء كنوزا في مساحات الوجع”.
وقال “أمضى الأب حليم حوالي النصف قرن، متنقلا بين الأردن وفلسطين، في سبيل تحقيق قدسية الرسالة، فتبوأ مراكز ومسؤوليات إدارية عدة، منها: مدير كلية تراسانطة في عمان والقدس، مؤسس وأمين عام مكتب المدارس المسيحية في الأردن والقدس، أمين عام مكتب المدارس الكاثوليكية لإقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رئيس إقليم القديس بولس الرسول للفرنسيسكان وغيرها من المسؤوليات، هربت حدودها أمام هجرته الصاعدة”.
وأردف “أنعم عليه قداسة البابا، القديس يوحنا بولس الثاني، بوسام الفاتيكان، لخدماته التربوية في الأردن، وأشترك في مؤتمرات عدة للحوار المسيحي الإسلامي، الذي يهتم به إلى جانب إهتمامه بالأمور التربوية والأبحات التاريخية، وهو حائز على إجازة في علم النفس وعلم الإجتماع ودبلوم في التربية، وضع كتابه، “الموارنة والفرنسيسكان” في جزءيه، في مناسبة مرور ثمانية قرون على تأسيس الرهبانية الفرنسيسكانية، وثمانية قرون على قدوم الإخوة الفرنسيسكان إلى الشرق”.
تابع “سرد الأب نجيم الأحداث المتعاقبة ووثقها بما استطاع أن يحصل عليه من محفوظات حراسة الأراضي المقدسة في القدس ودير ما انطونيوس البادواني في حريصا، والكرسي الرسولي، والبطريركية المارونية”.
وأضاف رزق الله: “مما يقوله الأب فرانشيسكو باتون، حارس الأراضي المقدسة في مقدمة الجزء الثاني: “نسيج رائع من النشاط والتعاون المتبادلين بين الموارنة والفرنسيسكان بدت ملامحه في الجزء الأول، عبر سرد دقيق للأحداث، يصبحه شرح واضح للمبادرات التي باشرها رواد الحضور الفرنسيكاني في جبل لبنان، وفي أحيان كثيرة كمندوبين للكرسي الرسولي، وأحيانا أخرى كرعاة غيورين على القطيع الموكول إليهم… ”
وتابع: “مما يقوله المطران بولس الصياح في المقدمة “لقد عادت العلاقة بين الموارنة والفرنسيسكان في الشرق بالخير على الإثنين معا، وعلى الكنيسة الكاثوليكية في المنطقة في شكل عام، إذا أنهما كانا حريصين كل الحرس على التعاون في خدمة الرسالة، كل بحسب طقوسه وتقاليده. وعلى رغم المصاعب وبعض الخلافات التي وقعت بينهما، فقد تعاونا على كل الصعد، وبخاصة في أيام الشدة التي مر بها الموارنة بسبب الإحتلالين المملوكي والعثماني والظلم الذي كانت الكنيسة تعاني منه”.
خليفه
ومن ثم كانت مداخلة لخليفة تحدث فيها عن محتويات الكتاب وقال: “يمكن التأكيد أن الرهبنة الفرنسيسكانية لعبت دورا مؤثرا في توثيق العلاقات بين الفاتيكان وكنائس المشرق العربي، وبخاصة منذ مطلع العهد المملوكي حتى نهاية العهد العثماني. وقد أسسها القديس فرنسيس الاسيزي، وهدفها الوصول الى الكمال الروحي، يرجع تأسيسها الى حراسة الأراضي المقدسة من قبل القديس فرنسيس نفسه عام 1217″ز
وتابع: “أصدر الأب حليم نجيم، بالتعاون مع الباحث الدكتور بيار مكرزل، الجزء الأول الذي غطى المرحلة من فترة التأسيس الى 1516. أي ما يسمى المرحلة المملوكية. وها هو اليوم يصدر الجزء الثاني، وعدد صفحاته 528 ص. وهو يتألف من قسمين:
-القسم الأول (1516 – 1710) يتناول مقدمات وخمسة فصول، كل واحد يتعلق ببطريرك، بعد ذلك تتركز خمسة فصول أخرى على علاقة الفرنسيسكان مع البطريرك اسطفان الدويهي.
– القسم الثاني (1710 حتى أواخر القرن 19) بعد مقدمة تعالج أربعة فصول العلاقة مع البطريرك يعقوب عواد، ومن ثم فصل مخصص للعلاقة مع البطريرك سمعان عواد، وثمانية فصول للعلاقة مع الطائفة المارونية من خلال قضية الراهبة هندية، والفصلين الأخيرين في هذا القسم يتوقفان عند الخلاف الذي وقع بين الفرنسيسكان والموارنة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر”.
وقال “لهذا الكتاب أربع خصائص. أولا: يركز هذا الكتاب على علاقات الفرنسيسكان مع ثمانية بطاركة موارنة، والدور الذي قام به الاخوة الاصاغر في التقارب بين روما وهؤلاء البطاركة. ويستند الأب حليم على أربعة أنواع من الوثائق: السلسلة التاريخية الوثائقية التي نشرها الأب غولوبوفتش، باللغة الإيطالية وتتكون من عشرين جزءا؛ أرشيف حراسة الأراضي المقدسة (تراسانطة)، وهو موجود في دير المخلص في مدينة القدس في فلسطين، ويبدو انه قد نظم تنظيما جديدا؛ أرشيف الكرسي الرسولي في الفاتيكان؛ أرشيف البطريركية المارونية ويضاف الى ذلك بعض الدراسات والأبحاث والكتب التاريخية في لغات عدة”.
وثانيا الموضوعية: عندما يجد الأب حليم تناقضا بين الموقف الفرنسيسكاني وموقف البطريرك الماروني، كان يحاول ان يكون متوازنا في عرض وجهات النظر في أسباب الخلاف – فهو يقول: “غير أني اشعر بان الموقفين الماروني والفرنسيسكاني يلقيان عندي نفس الاهتمام. ففي كلتا الحالتين ان الخاسر والرابح في آن واحد، لان مارونيتي لا تقل شأنا عندي عن كوني فرنسيسكاني، وكذلك كوني فرنسيسكاني لا يقلل من مارونيتي” لقد اعتمد الاب الباحث منهج الارتكاز على الوثائق وعرضها ضمن تسلسل زمني مع الحرص ليس فقط على ترجمتها وانما تصوير الوثيقة الاصلية.
ثالثا: ابراز تطور العلاقات بين الكنيسة المارونية، بشخص بطاركتها، مع الكرسي الرسولي في روما، واستمرار المحافظة على الطاعة من الأولى للثانية.
رابعا: مساعدة الموارنة لبناء مجتمع المعرفة، فتبين الرسائل المنشورة في الكتاب حرص المرجعية المارونية على أهمية التعليم حيث طالب البطريرك موسى العكاري بتاسيس مدرسة في جبل لبنان، في مكان يدعى حوقا بالشمال.”
وأضاف: “ترتكز أهمية كتاب الأب حليم على المعطيات التي تكشفها الوثائق المتبادلة بين الآباء الفرنسيسكان والكرسي الرسولي. وهذه التقارير لا تتطرق فقط الى الجوانب الدينية او الحلول للمشاكل التي يفترض العمل على حلها، وانما نلاحظ وجود الكثير من المعلومات الاقتصادية والديمغرافية والأمنية والصحية وغيرها الكثير”.
وقال: “لقد كتب الكثير عن قضية الراهبة الهندية التي هزت الطائفة المارونية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر (من الأصول المحجوبة للأب بولس عبود الى الباحث الفرنسي المعاصر هبرجه). ويبدو ان النص الذي أورده الأب حليم في كتابه (من خلال ثمانية فصول في القسم الثاني) – وهو كما ذكر جزء من كراس مخطوط في دير الفرنسيسكان – حريصا – هذا النص كشف في وضوح الدور الآثم لهذه الراهبة الحلبية الأصل. لقد ادانت تقارير الآباء الفرنسيسكان المرسلة الى روما هذه الظاهرة وطالبت بوضع حد لها واتخاذ الإجراءات اللازمة في حقها. ولقد مات عدد من الراهبات بالسم، واخريات قضين نحبهن بسجون الدير المظلمة تحت ضربات سياط الجلادين، بل حرمن التقرب من الاسرار المقدسة. ذلك الامر يتضح من خلال هروب ثلاث راهبات شعرن بانهن مضطهدات ومعذبات لأنهن اظهرن بعض الشك بالراهبة هندية، والتي كانت تعيش حياة الرفاهية التي كان يخالطها الفسق، وما ان سنحت لهن الفرصة المناسبة حتى هربن معا وغادرن الدير (ص 359)”.
وختم خليفة بالقول “ما نأمله ان يستمر الأب نجيم في عطائه من اجل اغناء المكتبة التاريخية اللبنانية بمصادر جديدة لم يتم الوصول اليها من قبل. وكم يكون مفيدا ان تبادر مديرية المحفوظات اللبنانية، أو احد مراكز الأبحاث – في جامعة الروح القدس مثلا – بتصوير منهجي منظم للأرشيف الفرنسيسكاني في القدس، ووضعه بمتناول الباحثين الساعين لتجديد الكتابة التاريخية اللبنانية”…
نجيم
وتحدث الأب نجيم عن كتابه الجديد والمواقف المنسجمة بين الفرنسيسكان والموارنة فقال:
“يتكلم هذا الكتاب في صفحاته الخمسمائة وثلاثين، عن الأحداث التي وقعت، في الطائفة المارونية، من 1516 وحتى أواخر القرن التاسع عشر، وأبطالها هم الموارنة والرهبان الفرنسيسكان؛ إضافة إلى مخطوطة وجدناها في أرشيف دير القديس أنطونيوس البادواني – حريصا، والتي تتكلم عن موضوع الراهبة هندية، التي، في القرن الثامن عشر، أشعلت الكنيسة المارونية في لبنان والشرق الأوسط بكامله والكرسي الرسولي ذاته. والتي تنشر للمرة الآولى”.
تابع: “نسرد هذه الأحداث ونوثقها بما استطعنا أن نحصل عليه من أرشيف حراسة الأراضي المقدسة في القدس، ومن الكرسي الرسولي، ومن البطريركية المارونية، في لغتها الأصلية مع ترجمتها إلى اللغة العربية”.
وأردف: “تتأرجح أحداث هذا الكتاب بين المواقف المنسجمة بين الموارنة والفرنسيسكان ومواقف أخرى خلافية وصلت صداها إلى الكرسي الرسولي في روما. كذلك يبرز هذا الكتاب مشاكل أخرى حدثت في الطائفة المارونية نفسها، دون أن يكون للفرنسيسكان فيها لا ناقة ولا جمل”.
وقال: “واجه الموارنة والفرنسيسكان أحداثا مختلفة، تعبر عن انقسامات داخلية مثل: إقالة بطريرك، وانتخاب أكثر من بطريرك على الطائفة المارونية، ومنها اختلاف بين الموارنة أنفسهم على مواضيع هامة تمس الوجود الماروني في حضن الكنيسة الكاثوليكية وفي كل هذه المشاكل نرى الفرنسيسكان هم المندوبين البابويين والمخولين بحل هذه الإشكالات. وكذلك حدثت اختلافات بين الفرنسيسكان والموارنة، فنرى الكرسي الرسولي يتدخل ويفض الخلاف ويعطي الحلول المناسبة، ويرضخ الجميع إلى قرارات الكرسي الرسولي”.
وأضاف “في خضم هذه التناقضات يبقى الموارنة متمسكين بالولاء لروما وللحبر الأعظم الجالس على كرسي القديس بطرس. فما أن يأتي القرار من روما حتى يطأطئ الجميع رؤوسهم ويجثون راكعين ولسان حالهم يردد أن بطرس تكلم بلسان لاوون أو…، ناسين أو متناسين من كانوا سابقا يعادونه ويحاربونه ويضمرون له العداء”.
وختم نجيم بالقول: “ومهما احتد الخلاف والنقاش بين الطائفة المارونية وفرنسيسكان الأراضي المقدسة، فإن حبل الاتصال بينهم لم ينقطع أبدا. بل كانوا في منطقة يتقاذفون التهم والشكاوي…. وفي منطقة أخرى يتعاونون. وقد قال أحد الفرنسيسكان عن الموارنة: “توجد في جبل لبنان طائفة كريمة… حافظت دائما على طاعة كنيسة روما، وبقيت متعلِّقة بها، بفضل عمل الرهبان الأصاغر، أبناء القديس فرنسيس، كما تشهد بذلك كتب كثيرة”.